Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
خطري Khattry
Archives
Derniers commentaires
4 octobre 2006

في حضرة الغياب : كتاب جديد لمحمود درويش صدر عن

في حضرة الغياب : كتاب جديد لمحمود درويش   


 

صدر عن شركة رياض الريس للكتب والنشر (بيروت) كتاب جديد للشاعر محمود درويش بعنوان في حضرة الغياب .


جديد محمود درويش انه ليس ديوان شعر، وقراء الشاعر الكثر علي امتداد الوطن العربي الذين طالما اختلفوا وسألوا: شعرا نقرأ ام نثرا، ربما يجدون الجواب في هذا الكتاب وربما يزدادون حيرة معه: النثر جار الشعر ونزهة الشاعر/ الشاعر هو الحائر بين النثر والشعر/ هذا في الشكل. اما المضمون فلا يحد في كلمات: غياب وحضور ورحيل ومنفي وموج واغنية.. وشعر ونثر الخ.

ومن الكتاب نقتطف هذين النصين: سطرا سطرا انثرك أمامي بكفاءة لم أوتها إلا في المطالع/ وكما اوصيتني، اقف الان باسمك كي اشكر مشيعيك الي هذا السفر الأخير، وأدعوهم الي اختصار الوداع، والانصراف الي عشاء احتفالي يليق بذكراك/ فلتأذن لي بأن أراك، وقد خرجت مني وخرجت منك، سالما كالنثر المصفي علي حجر يخضر او يصفر في غيابك، ولتأذن لي بأن ألمك، واسمك، كما يلم السابلة ما نسي قاطفو الزيتون من حبات خبأها الحصي. ولنذهبن معا انا وانت في مسارين: انت، الي حياة ثانية، وعدتك بها اللغة، في قارئ قد ينجو من سقوط نيزك علي الارض.

وأنا، الي موعد ارجأته اكثر من مرة، مع موت وعدته بكأس نبيذ أحمر في احدي القصائد. فليس علي الشاعر من حرج ان كذب. وهو لا يكذب الا في الحب، لان اقاليم القلب مفتوحة للغزو الفاتن. أما الموت، فلا شيء يهينه كالغدر: اختصاصه المجرب. فلأذهب الي موعدي، فور عثوري علي قبر لا ينازعني عليه احد من غير أسلافي، بشاهدة من رخام لا يعنيني ان سقط عنها حرف من حروف اسمي، كما سقط حرف الياء من اسم جدي سهوا.

ولأذهبن، بلا عكاز وقافية، علي طريق سلكناه، علي غير هدي، بلا رغبة في الوصول، من فرط ما قرأنا من كتب أنذرتنا بخلو الذري مما بعدها، فآثرنا الوقوف علي سفوح لا تخلو من لهفة الترقب لما توحي الثنائيات من امتنان غير معلن بين الضد والضد. لو عرفتك لامتلكتك، ولو عرفتني لامتلكتني، فلا اكون ولا تكون.

هكذا سمينا، بتواطؤ ايقاعي، ما كان بيننا من هاوية سفحا. ونسبنا الي كتب قرأناها عجزنا عن الوصول الي ذروة تطل علي عدم ضروري لاختبار الوجود يا صاحبي! يا أنا ي النائم علي بزوغ البياض من ابدية، وعلي تلويح الابدية ببياض لا لون بعده. فبأي معني من معانيك اقيم الشكل اللائق بعبث أبيض؟ وبأي شكل احمي معناك من الهباء.. ما دامت رحلتنا أقصر من خطبة الكاهن في كنيسة مهجورة، في يوم احد، لم يسلم فيه احد من غضب الآلهة؟ لكنك مسجي امامي، اعني في كلامي الخالي من عثور الاستعارات علي مصادرها، وعلي رابط خفي بين ارض متدينة، وسماء وثنية. من هناك الي هناك يرحل الغيم برفقة قمر لم يحرمنا افتضاح سره الصخري من تذكر حب سابق. ولم يمنعنا جفاف القلب من مداواة اوجاع المفاصل بذكري التمدد علي العشب، تماما كما انت مسجي امامي في كلامي الذي لن يخذله غد شخصي كف عن الخداع، لا لانه تأدب وتهذب، بل لانه يحتضر الآن ويصير الي خبر، لا عدو له ولا صديق.. خبر عن مسافرين اثنين، أنت وأنا، لم يفترقا في مرآة او طريق.. لم يفترقا الا لساعات يتأكدان خلالها من سطوة الانثي علي الذكر/ حيث يري المرء نفسه في حرائق البرق، كما هي، معافاة مصفاة من شوائب التشبيه بما ليس موتا يحيي.. وحياة تُحيا علي حصة العاشق من سخاء المودة بين المخلوق والخالق. فلا جنة معلنة بالحواس وبالحدس سوي العاشقة، ولا جحيم الا خيبة العاشق.

فلتأذن لي، اذا، ونحن نفترق علي هذا البرزخ، بأن افسخ العقد المبرم بين عبث وعبث، فلا نعلم من انتصر منا ومن انكسر، انا ام انت ام الموت، لأننا لم نعترف من قبل، لننتصر، بأن العدو اذكي منا وأدهي، فلا شيء يغوي الهزيمة اكثر من مجافاة هذا الاعتراف، يا صاحبي المترف بالاوصاف النقيضة، المسرف في البحث عن عبث لا بد منه لتدريب النفس علي التسامح، ولتحظي بنعمة التأمل في ماء يضحك في الغمازات، ويطير فراشات فراشات تخلق الشعر من كل شيء حي. فالخفة، كالندي، قاهرة المعدن، وعذراء الزمن، هي التي تدرب الوحش علي النفخ في النايات/ فلا تصالح شيئا الا لهذا السبب المبهم، ولا تندم علي حرب انضجتك كما ينضج آب أكواز الرمان علي منحدرات الجبال المنهوبة، فلا جهنم أخري في انتظارك. ما كان لك صار عليك/ وعليك ان تدافع عن حروف اسمك المفككة، كما تدافع القطة عن جرائها. وعليك ما عليك: ان تدافع عن حق النافذة في النظر الي العابرين، فلا تسخر من نفسك ان كنت عاجزا عن البرهان، الهواء هو الهواء ولا يحتاج الي وثيقة دم. ولا تندم.. لا تندم علي ما فاتك، حين غفوت، من تدوين لأسماء الغزاة في كتاب الرمل، النمل يروي والمطر يمحو، وحين تصحو لا تندم لانك كنت تحلم، ولم تسأل احدا: هل أنت من القراصنة؟ فكيف تزود البديهة بالوثائق والبنادق، وفيها ما يكفيها من محاريث خشبية، وجرار من فخار، وفيها زيت يضيء وان لم تمسسه نار، وقرآن، وجدائل من فلفل وبامية، وحصان لا يحارب/ فلا تعاتب اسلافك علي ما اورثوك من براءة النظر الي التلال بلا استعداد لتلقّي الوحي من سماء خفيضة، بل لعد النجوم علي اصابع يديك العشر. فأنّي لك ان تثبت البديهة بالبرهان، والبرهان متعطش لنهب البديهة تعطش القرصان الي سفينة ضالة؟ البديهة عزلاء كظبي مطعون بالامان، مثلك مثلك، في هذا الحقل المفتوح لعلماء الآثار المسلحين الذين لم يكفوا عن استجوابك: من انت؟ فتحسست اعضاءك كلها، وقلت: أنا أنا. قالوا: ما البرهان؟ فقلت: أنا البرهان. فقالوا: هذا لا يكفي، نحتاج الي نقصان. فقلت: أنا الكمال والنقصان. فقالوا: قل انك حجر كي ننهي اعمال التنقيب، فقلت لهم: ليت الفتي حجر، فلم يفهموك/ وأخرجوك من الحقل. أما ظلك، فلم يتبعك ولم يخدعك، فقد تسمر هناك وتحجر، ثم اخضر كنبتة سمسم خضراء في النهار خضراء، وفي الليل زرقاء/ مهما نأيت ستدنو/ومهما قتلت ستحيا/فلا تظنن أنك ميت هناك/وأنك حي هنا/فلا شيء يثبت هذا وذلك الا المجاز/المجاز الذي درب الكائنات علي لعبة الكلمات/المجاز الذي يجعل الظل جغرافيا/والمجاز الذي سيلمك واسمك/فاصعد وقومك/أعلي وأبعد مما يعد تراث الاساطير لي ولك/اكتب بنفسك تاريخ قلبك/منذ اصابة آدم بالحب/حتي قيامة شعبك/واكتب بنفسك تاريخ جنسك/منذ اقتبست من البحر ايقاعه ونظام التنفس/حتي رجوعك حيا الي/فانت مسجي امامي/كقافية غير كافية لاندفاع كلامي اليك/أنا المرثي والراثي/فكني كي اكونك/قم لأحملك/اقترب مني لاعرفك/ابتعد عني لأعرفك! ولدنا معا علي قارعة الزنزلخت، لا توأمين ولا جارين، بل واحدا في اثنين او اثنين في واحد. لم يصدق احد من الجالسين في ظل شجرة التوت أنك ستحيا، من فرط ما شرقت بحليب أمك واختنقت. نحيلا كنت كخاطرة عابرة. نحيلا كنبتة شعير خالية من الحب كنت. لكن لشهر آذار، القادر علي سفك دم المكان شقائق نعمان، مهارة الانقاذ من موت مبكر لا تنساه الا لتتذكر ان الحياة لم تأت اليك علي طبق من ذهب او فضة، هاشة باشة، بل جاءتك علي استحياء كجارية مدفوعة الاجر، صعبة وعذبة، وشديدة الممانعة. لكن التدريب الطويل علي الألفة هو ما يجعل الحياة ممكنة.

وممكنة هي مراوغة الثعالب، اولي حيواناتك الماكرة، بعيونها الخضراء أنثوية الاغراء.. تخافها ولا تقوي علي الابتعاد، كجاذبية تدفعك الي الرغبة في القفز من عل الي جرف او هاوية. هكذا سكنتك منذ البداية فتنة الثعلب والهاوية، وجرك فضول القطط، دون حذرها، الي ملامسة الخطر. فغافلت اهلك المشغولين بفرم أوراق التبغ بسكاكين حادة، وتناولت احداها ووضعت علي شفرتها ركبتك اليسري، وضغطت لتعرف ان كانت السكين تفعل بلحمك الطري ما تفعله بأوراق التبغ، ففاجأك السائل الاحمر. ولم تتوجع الا حين نزعوا السكين من ركبتك، وضمدوا جرحك وعاقبوك علي طيش التجربة.

هكذا رأيت الدم الاول.. دمك الذي علمك ان الندبة ذاكرة لا تكف عن العمل، كلما نظرت اليها شممت رائحة التبغ الذهبي، وعباءة جدك المعلقة كخيمة في الريح. وكلما لمست الندبة استمعت الي بكاء الدم وكرهت الحناء.. علي ايدي العرائس واقدامهن، واشحت بوجهك عن رقصة الديك الاخيرة، وعن خروف العيد، ولم تشارك اترابك لعبة تعذيب العصافير/ وحلمت، وما زلت تحلم حتي الهزيع الاخير من الحلم، بأن عصفورا حط علي يدك، فضممته وشممته وفاحت من ريشه رائحة الصيف، ولثمته، ثم كلمته قائلا: يا أخي! عد الي فضائك، فعاد اليك في حلم الليلة التالية.

كأنك طفلي، كأني أبوك. ولم يدللك أبوك لئلا يرميك اخوتك في جب الحكاية. فاحملني كما حملتك، لأري من بعيد الي ذلك الازرق المنساب من كل بعيد تصفيه المسافة من كل شائبة، ففي الحكاية حقل اوسع مما كان.

ولم اكن طفلا آنذاك، ولكني هو الان في وداع يفتح لفعل الماضي الناقص باب المدائح علي مصراعين: المكان المفقود، والزمان المفقود. ليس المكان هو الفخ اذ يصير الي صورة، ففي الذاكرة ما يكفي من ادوات التجميل لتثبيت المكان في مكانه، وما يكفي لترتيب الاشجار علي ذبذبة الرغبة، لا لأنه فينا وان لم نكن فيه، بل لانه الامل هو قوة الضعيف المستعصية علي المقايضة. وفي الامل ما يكفي من العافية لقطع المسافة الطويلة من اللامكان الواسع الي المكان الضيق. اما الزمان الذي لم نشعر به الا متأخرين، فهو الفخ الذي يتربص بنا علي حافة المكان الذي جئنا اليه متأخرين، عاجزين عن الرقص علي البرزخ الفاصل بين البداية والنهاية!

فاحملني كما حملتك الفراشات الي مدارج الضوء، خفيفا مثلها، كلما انبلج الصبح من ثقوب بابك الخشبي، وانهمرت ألوان طائرة لم تعرف اسماءها، كخواطر سماوية مبعثرة، علي حقول خالية من الجيش. هناك، حسبت ان الارض تطير وترقص. فوقفت علي صخرة وفتحت ذراعيك للريح وقفزت الي اعلي لتطير، فأحاطت بك الفراشات كشقيقات، واعانتك علي الطيران.. ولم تفلح. لكنها ادخلتك الي مدار اللازورد، ودربتك علي فقه العزلة. فابتعدت عن البيت، وخلوت الي الشجر الذي لم تعرف من اسمائه الا ما خف لفظه، كالزيتون والخرنوب والسنديان والبلوط. ولم تعرف من اسماء النباتات الا الخبيزة والهندباء ذات الزهر الليلكي كلون عيني جدتك.

هناك سكنتك فتنة الطيران والعزلة. وهناك، حاولت ان تولد من حلمك، دون ان تدرك الفارق بين الحلم والخيال. في مساء ما، تسللت من خلوتك الشجرية الي بوابة الدار الجنوبية ودعوت الحصان الي الخروج معك، فأطاعك وخرج. وعلي محاذاة صخرة عالية اوقفت الحصان الفاتن وقفزت علي ظهر املس دون سرج. قادك، كما يقود الهواء سحابة، الي منحدر يؤدي الي حقل لا نهاية له. فهمزته فاستجاب، وصار الهواء ريحا فانتشيت: اني اطير. كل شيء يطير. الشجر، الأرض، الجهات، النباتات، الريح. ولا غاية من هذا الطيران سوي لذة الطيران الي المجهول، حتي هبط الليل علي المجهول وعلي المعلوم، وصار المكان أعمي. لم تعلم انك قد سقطت. لكن الحصان العائد بلا فارسه الصغير هو من دل اهلك علي موقع طيشك. ضمدوا الجرح في حاجبك الايمن، ثم عاقبوك. اما الندبة علي حاجبك الايمن، الندبة التي لا تراها غير الانثي الخبيرة باستجواب قلب الذكر فهي ذاكرة فراشة تقلد نسرا.

وعلي سبابة يدك اليسري ندبة اخري. جلست وبنتا صغيرة كيمامتين علي حجرين في كرم زيتون. سأقاسمك هذه التفاحة، قلت لها، وأنت تنظر في عينيها وتمرر السكين الصدئة علي اصبعك بدلا من التفاحة. خافت من الدم وهربت وانت تناديها: خذي التفاحة كلها! وداويت جرحك بحفنة من تراب مخلوط بالعشب اليابس.

لم أسألك وانت تكبر امامي عما يجعلك تجرح نفسك كلما غبت في حضور، ألكي تثير الانتباه، أم لتعود الألم علي رائحة البصل؟ سموك الشقي، وانت اطلقت علي طائر الدوري لقب الشقي. هو شبيهك في التوتر، ونقيضك في الحذر. لكنك احببت مهارته العالية في مراوغة الصياد، فلا عش له الا الحيلة. واحببت فيه حيرة اللون بين الحنطة والضوء، وخفة الطيران علي ارتفاع منخفض وعال برفرفة واحدة، ومخاتلة المشي بين الناس، بلا وجل، كمخبر قادر علي الافلات من قبضة اليد الخائبة.

وسموك الشقي لانك تبكي من فرح او من حزن، دون ان يؤول احد صوت الريح في قصب سرعان ما يتحول نايات. ماذا يقول الناي؟ هل يحمل في ما يحمل هذيان الريح، أم ينقل فرح الرعاة بولادة حمل جديد، ام خوفهم من قطيع ذئاب يحاصر قطيع الاغنام؟ يستدرجك الناي الي البعيد، وتبكي كمن يستبق الفاجعة. لا غيم اسود في الأفق/ فلماذا تبكي والموت بعيد؟/وحديقة بيتك عالية/والشرفة عالية/والصفصافة عالية/فلماذا تبكي/وطريق التبانة واضحة/والليل يضيئك من خصلة شعرك حتي اخمص قدميك؟/وانت تطيع الناي وتركض تركض/لا ذئب يعوي في الليل علي قمر اصفر كالليمونة/لا شبح يطلع من جذع الزيتونة كي يغتال اباك/لماذا تبكي؟/هل خوفك من فرح يبكيك؟ سألتك/لكني ادرك ان هواء الليل علي جبل مثقوب بالناي سيرشح دمعا سميناه ندي/ستصير غدا نايا سحريا/قلت/فلم تسمعني/لم يكبر جرحك بعد/فلا تتركني في هذا الوادي ابحث عنك سدي/لم تسمعني/ والان وانت مسجي فوق الكلمات وحيدا، ملفوفاً بالزنبق، والاخضر والازرق، ادرك ما لم ادرك: ان المستقبل منذئذ، هو ماضيك القادم!

Publicité
Commentaires
Publicité